طيلة أيام السنة، يغسل العشاق قلوبَهم، و ينشرونها على حبالِ الشوق، ثم يجففونها تحت شمس الانتظار؛ حتى يحين هذا اليوم، الذي يحملون فيه هذه القلوب، بأيديهم، ويمنحونها إلى المعشوق، الذي يمسكها بلهفة، ويزرعها في صدره، قلباً آخراً، إلى جانب قلبه الأصلي .
عيد الحب، عيد الفالنتين، عيد العشاق، عيد القلوب.. تكثر التسميات، لكن المقصد واحد : فهو اليوم الذي تتحدُ فيه كل روحين تحابّتا، في جسد. اليوم الذي فيه يرسمُ كل عاشقٍ حبيبته، بريشةٍ من خيوط العنب. اليوم الذي يصبحُ فيه العشاقُ ملائكةً؛ فيقطفون حواجب الغيم الكثيفة، ويشربون من فم البحر، ويطيرون بلا ريش و أجنحة، و يتعانقون، يختلطون، يتماهون، دون أن يراهم أحد، لأنهم ملائكة حقاً، ولأن الآخرين بشر .
تاريخ "عيد الحب".. روايات كاذبة وأخرى ليست مؤكدة
و كما اعتاد الناس، في هذا العالم، في أن يختلفوا في كل شيءٍ؛ فقد اختلفوا في تحديد أصل عيد الحب، أيضاً، وتناقلوا رواياتٍ كاذبة وأخرى ربما تكون صحيحة، عن أصل هذا العيد؛ إلا أنّ أحداً لا يستطيع، جازماً، أن ينفي الروايات الكاذبة، أو يؤكد تلك التي يُظن بأنها الصحيحة .
و لعل السبب الأبرز لاختلاف الناس في هذا، هو وجود ثلاثة "قساوسة" مسيحيين، عاشوا في بدايات القرون الوسطى، إسم كل واحد منهم "فالنتين"، ما دفع الناس لتأليف ثلاث روايات، كل واحدة يكون بطلها أحد هؤلاء القساوسة الثلاثة.
و بالاطلاع على الروايات تلك، فإن الرواية الأكثر قرباً للواقع، منه للميثيولوجيا ( الأسطورة، أو الخرافة)، هي أن قسيساً اسمه "فالنتين"، عاش في بداية القرون الوسطى، كان يدعو للمسيحية ضد الوثنية، و يزوّج الشباب بالفتيات سرَّاً ( إذ كان الزواج ممنوعاً، إلا بشروط، كي يلتحق الشباب بالجيش) وسُجِنَ بسبب هذا. وقبل إعدامه بأيام، منحه الله القدرة لأنْ يشفي ابنة سجّانه التي كانت كفيفة (!)، و بعد هذا، أحب القسيس تلك الفتاة. وقبل إعدامه بقليل، ترك لها رسالةً، كُـتِبَ فيها " من المخلص لك فالنتين "، ومنذ ذلك الوقت، اعتاد الناس أن يحتفلوا بذكرى هذا اليوم، كعيد للحب وللعشاق.
الجدير ذكره أن هذه الرواية، وغيرها من الروايات التي تربط موعد عيد الحب بموعد وفاة أحد القساوسة "فالنتين"، لم تكنْ متداولةً قبل مجيء الشاعر الإنكليزي "جيفري تشوسر" في القرن الثالث عشر، الذي كرَّس العلاقة بين القساوسة وعيد الحب، من خلال إحدى قصائده، و التي من المتوقع أن يكون الناسُ قد نسجوا على أساسها تلك الروايات، ومن ثم تبعهم الأدباء ( مثل شكسبير، الذي ذكر عيد الحب، على لسان أوفيليا، في مسرحيته الشهيرة "هاملت" ) .
ماذا يفعل العشاق في عيد الحب ، ولماذا ؟
تختلف أصوات حناجر الناس، وأشكالهم، وآراؤهم؛ كما يختلف معنى عيد الحب من شخص لآخر، و من بلد لآخر؛ لكن أكثر القواسم المشتركة بين أغلب دول العالم، في طريقة الاحتفال بعيد الحب، هي ارتداء الملابس ذات اللون الأحمر، و تبادل الورود الحمراء، و الهدايا، و بطاقات المعايدة، و قلوب الحب. وسنشرح معنى وأصل كل واحدةٍ من هذه القواسم :
ارتداء اللون الأحمر وتبادل الورود الحمراء: نسبة إلى لونِ دم القديس "فالنتين"، الذي يُـعتقد _ كما ذكرنا _ أنه من أرّخ 14 شباط من كل عام، في أن يكون موعداً لعيد الحب .
الهدايا : يُـعتقد أن شخصية "جاك" ( الشهير بـ بابا نويل ) هي التي كرّست لمفهوم تبادل الهدايا في عيد الحب، إذ أنه كان يأتي من الأبواب والنوافذ الخلفية لكل بيت، في يوم 14 شباط، و يرمي بالحلوى و الهدايا للأطفال، ليتداول الناس من بعده هذه العادة، ويتبادلوا الهدايا في هذا اليوم .
بطاقات المعايدة : أيضاً يُـعتقد أن هذه العادة مصدرها القسيس "فالنتين"، الذي كان أول من أرسل بطاقة حب ومعايدة لحبيبته، والتي قال فيها " من المخلص لكِ فالنتين"، لتنتشر هذه الطريقة في التعبير عن الحب، وتصبح المعايدات المكتوبة بخط اليد، ما قبل القرن التاسع عشر، أكثر الطرق نفعاً للاعتراف بالحب بين شخصين. ومن ثم إلى بطاقات مطبوعة، عندما ظهرت المطابع. أما الآن، فقد غدت بطاقات المعايدة إلكترونيةً (E card ) يسهل تصميمه وتداولها على الشبكة العنكبوتية، أو من خلال التراسل على الموبايل ( بواسطة الـ sms و الـ mms ) .
قلوب الحب : يُخطئ الناس حين يظنون أن قلوب الحب مصنوعة على هيئة قلب الإنسان، إذ أن أصل قلب الحب يرجع إلى شكل الطير "كيوبيد" ذي الجناحين، و هو ملاك الحب في الميثيولوجيا الغربية القديمة، والذي يشبه إلى حد بعيدٍ ما نسمِّيه اليوم بـ "قلب الحب" .
و للحلبيين أن يحتفلوا أيضاً ..
في الأيام العشرة الأولى، من شباط في كل عام، يبدأ اللون الأحمر بالتكاثر في شوارع حلب، إلى أن يسيطر هذا اللون على أغلب الشوارع، في الليالي التي تسبق 14 شباط، فترى المحال والمطاعم والفنادق والإعلانات، تتقاسم الاحتفال، والدعوة للاحتفال، بهذا اليوم .
و من المعروف في حلب، أن مناطق "العزيزية، السليمانية، الميدان.." من أكثر الأماكن جذباً للناس في يوم عيد الحب. فتكثر الحفلات الفنية هناك والمحال التي تبيع هدايا العيد، والقلوب، والبطاقات، والأقمشة والبالونات الحمراء التي تُعلق على "الشبابيك والبلاكين"، كما يكثر تواجد العشاق في شوارع هذه المناطق، ولا مشكلة في أن يتبادل عاشقان قبلةً سريعة، أو عناقاً خاطفاً .
"مايا زرز" فتاة في العشرينات من عمرها، تسكن في العزيزية، ودائماً ما تحب قضاء يوم عيد الحب مع أصدقائها , وقالت لـ عكس السير " المشكلة في الناس أنهم يرون تحديد يوم يخص العشاق أمراً خاطئاً، و يتذرعون بالقول إن كل أيام السنة لل حب، وليس يوماً واحداً فقط. أنا أجزم وأقسم أن هؤلاء الناس لم يذوقوا طعم الحب حتى يتكلموا بهذا الشكل " .
و تشير "مايا" إلى أن تقاليدهم في هذا اليوم تقضي بشراء قالب كاتو، وتوزيع اللون الأحمر داخل وخارج البيت، أو وضع "نيونات مضيئة" تحمل عبارات ذات دلالة، مثل " happy valentine "، و تبادل الحلوى مع الجيران إن أمكن ذلك .
أما "لافا مسلم"، فإنها ترى يوم عيد الحب يوماً مقدَّساً. تقضيه مع خطيبها في إحدى المقاهي أو المطاعم ( مع العلم أن هذه المطاعم تُحيجك إلى حجز طاولة قبل أكثر من عشرة أيام من حلول عيد الحب ) .
و أما "منير سودا" قال إنه لا أساس للاحتفال بعيد الحب و إنما هي مجرد روايات حاكتها الأساطير الغربيّة منذ القِدم، كما حاكت جلجامش و الأوديسة و طروادة وروميو وجولييت وغيرها ".
محال الهديا والورود .. تحتفل بالعيد على طريقتها "القاصّة" !
على إحدى الزوايا الأربع التي تحيط بـ "دوّار التليفون الهوائي"، يتمركز عددٌ من محال بيع الزهور _ كما يعرف أكثر الحلبيين _، وهذه المحال تبيع في يوم عيد الحب ما قد تبيعه في شهر كامل، أو حتى في موسم !
و رغبة منا، بمعرفة أسعار الزهرة الواحدة، وقدرة "العاشق" على شرائها، سألنا عن سعر زهرة حمراء، طويلة، جميلة المظهر؛ فقيل لنا إن سعرَها 275 ل.س، ومع لفّها بسولوفان، يصبح 300. مع العلم أنّ هذه الزهرة ليست طبيعية، وتُربى في أحواض اصطناعية، كما تُمنح اللونَ الأحمر و الملمس المخملي عن طريق مواد خاصة، بالإضافة إلى أنها بدون عطر (!)، يقوم البائع بوضع عطرٍ لها ( هناك زجاجات عطر رجالي ونسائي، في المحال، يتم بخ القليل منها في وريقات الأزهار، لتبدو طبيعية، للعاشق الذي سيشتريها مسرعاً، غير منتبه إلى أنها مغشوشة ) .
و سألنا محلاً آخراً، عن سعر الزهرة في باقي أيام السنة، فأجاب أن "الجوريّة" سعرها واحد ومعروف، وهو 75 ليرة، في يوم غير 14 شباط، بينما يختلف الوضع بالنسبة للأزهار الأخرى ( التي لا يمكن مقارنة نسبة طلبها، بالجوري الأحمر، المطلوب كثيراً ) .
و اتجهنا إلى السليمانية، حيث هناك أيضاً، تجمّع لمحال النوفوتيه، التي تبيع هدايا وبطاقات المعايدة والقلوب الخاصة بعيد الحب، وبالفعل، كان الازدحام شديداً، والاقبال غير معتاد.
أحد الشبان كان يبحث، في "ستاند" وُضعت فيه بطاقات معايدة بأسماء فتيات مختلفة؛ بطاقات حمراء مطبوعة عليها " happy valentine "، بالإضافة إلى مقطوعات غزلية، فيما يشبه الشعر. ربما كان الشاب يبحث عن بطاقة باسم حبيبته.
سألنا صاحب المحل، عن أكثر الهدايا مبيعاً، فأجاب أن "الدباديب" و العطور، تأتي في المقدمة. وشرحَ، ضاحكاً، حول أن "الدباديب" مرغوبة من قبل الفتيات الرومانسيات اللواتي يُردن إهداء الحبيب شيئاً ما، في هذا العيد.
و أضاف أن الكثير من الفتيات، يُرفقن "CD" أغانٍ رومانسية ( سلو )، ملفوفة في سلوفان، أو موضوعةً علبة كرتوينة، مع الهدية الأصلية .
أما عن أسعار الهدايا المرتفعة، فقال " في هذا اليوم تحديداً، نحرص على استيراد أفضل الهدايا، والماركات، التي تأتينا من الخارج بسعر مرتفع، ونحن نبيعها على هذا الأساس. أغلب زبائننا من المسيحيين الميسورين، أما الذين ينوون شراء هدية مقبولة السعر، فإنهم لا يأتون إلى هنا.." في إشارة منه إلى ما يُباع على "البسطات" والأرصفة، من هدايا و "دباديب" بأسعار رخيصة .
مسبحة ، ويد تسبّح الله !
و بالرغم من كل هذا الاختلاف بالآراء، إلا أن الشارع الحلبي يحملها في كيس التماهي والاندماج الطبقي، و التفاعل الواحد من قبل كافة الشرائح. فكما يقاسمُ المسيحيون المسلمين فرحتهم في رمضان وأعياد الفطر والأضحى، يفعل المسلمون الأمر ذاته في أعياد الميلاد. و عيد الحب لا يقل أهمية (من حيث الحراك الاجتماعي، والصرف المادي، والمعنوي) عن تلك الأعياد، وبالتالي؛ فإن من حق العشاق أن يصبغوا شوارع المدينة باللون الأحمر، و أن تزدحم الطرقات من أجلهم، خاصةً حينما تصبحُ نبضاتُ قلوبهم أشبه بحبّات مسبحة، والحبّ هو هذه اليد التي تسبح الله .
عيد الحب، عيد الفالنتين، عيد العشاق، عيد القلوب.. تكثر التسميات، لكن المقصد واحد : فهو اليوم الذي تتحدُ فيه كل روحين تحابّتا، في جسد. اليوم الذي فيه يرسمُ كل عاشقٍ حبيبته، بريشةٍ من خيوط العنب. اليوم الذي يصبحُ فيه العشاقُ ملائكةً؛ فيقطفون حواجب الغيم الكثيفة، ويشربون من فم البحر، ويطيرون بلا ريش و أجنحة، و يتعانقون، يختلطون، يتماهون، دون أن يراهم أحد، لأنهم ملائكة حقاً، ولأن الآخرين بشر .
تاريخ "عيد الحب".. روايات كاذبة وأخرى ليست مؤكدة
و كما اعتاد الناس، في هذا العالم، في أن يختلفوا في كل شيءٍ؛ فقد اختلفوا في تحديد أصل عيد الحب، أيضاً، وتناقلوا رواياتٍ كاذبة وأخرى ربما تكون صحيحة، عن أصل هذا العيد؛ إلا أنّ أحداً لا يستطيع، جازماً، أن ينفي الروايات الكاذبة، أو يؤكد تلك التي يُظن بأنها الصحيحة .
و لعل السبب الأبرز لاختلاف الناس في هذا، هو وجود ثلاثة "قساوسة" مسيحيين، عاشوا في بدايات القرون الوسطى، إسم كل واحد منهم "فالنتين"، ما دفع الناس لتأليف ثلاث روايات، كل واحدة يكون بطلها أحد هؤلاء القساوسة الثلاثة.
و بالاطلاع على الروايات تلك، فإن الرواية الأكثر قرباً للواقع، منه للميثيولوجيا ( الأسطورة، أو الخرافة)، هي أن قسيساً اسمه "فالنتين"، عاش في بداية القرون الوسطى، كان يدعو للمسيحية ضد الوثنية، و يزوّج الشباب بالفتيات سرَّاً ( إذ كان الزواج ممنوعاً، إلا بشروط، كي يلتحق الشباب بالجيش) وسُجِنَ بسبب هذا. وقبل إعدامه بأيام، منحه الله القدرة لأنْ يشفي ابنة سجّانه التي كانت كفيفة (!)، و بعد هذا، أحب القسيس تلك الفتاة. وقبل إعدامه بقليل، ترك لها رسالةً، كُـتِبَ فيها " من المخلص لك فالنتين "، ومنذ ذلك الوقت، اعتاد الناس أن يحتفلوا بذكرى هذا اليوم، كعيد للحب وللعشاق.
الجدير ذكره أن هذه الرواية، وغيرها من الروايات التي تربط موعد عيد الحب بموعد وفاة أحد القساوسة "فالنتين"، لم تكنْ متداولةً قبل مجيء الشاعر الإنكليزي "جيفري تشوسر" في القرن الثالث عشر، الذي كرَّس العلاقة بين القساوسة وعيد الحب، من خلال إحدى قصائده، و التي من المتوقع أن يكون الناسُ قد نسجوا على أساسها تلك الروايات، ومن ثم تبعهم الأدباء ( مثل شكسبير، الذي ذكر عيد الحب، على لسان أوفيليا، في مسرحيته الشهيرة "هاملت" ) .
ماذا يفعل العشاق في عيد الحب ، ولماذا ؟
تختلف أصوات حناجر الناس، وأشكالهم، وآراؤهم؛ كما يختلف معنى عيد الحب من شخص لآخر، و من بلد لآخر؛ لكن أكثر القواسم المشتركة بين أغلب دول العالم، في طريقة الاحتفال بعيد الحب، هي ارتداء الملابس ذات اللون الأحمر، و تبادل الورود الحمراء، و الهدايا، و بطاقات المعايدة، و قلوب الحب. وسنشرح معنى وأصل كل واحدةٍ من هذه القواسم :
ارتداء اللون الأحمر وتبادل الورود الحمراء: نسبة إلى لونِ دم القديس "فالنتين"، الذي يُـعتقد _ كما ذكرنا _ أنه من أرّخ 14 شباط من كل عام، في أن يكون موعداً لعيد الحب .
الهدايا : يُـعتقد أن شخصية "جاك" ( الشهير بـ بابا نويل ) هي التي كرّست لمفهوم تبادل الهدايا في عيد الحب، إذ أنه كان يأتي من الأبواب والنوافذ الخلفية لكل بيت، في يوم 14 شباط، و يرمي بالحلوى و الهدايا للأطفال، ليتداول الناس من بعده هذه العادة، ويتبادلوا الهدايا في هذا اليوم .
بطاقات المعايدة : أيضاً يُـعتقد أن هذه العادة مصدرها القسيس "فالنتين"، الذي كان أول من أرسل بطاقة حب ومعايدة لحبيبته، والتي قال فيها " من المخلص لكِ فالنتين"، لتنتشر هذه الطريقة في التعبير عن الحب، وتصبح المعايدات المكتوبة بخط اليد، ما قبل القرن التاسع عشر، أكثر الطرق نفعاً للاعتراف بالحب بين شخصين. ومن ثم إلى بطاقات مطبوعة، عندما ظهرت المطابع. أما الآن، فقد غدت بطاقات المعايدة إلكترونيةً (E card ) يسهل تصميمه وتداولها على الشبكة العنكبوتية، أو من خلال التراسل على الموبايل ( بواسطة الـ sms و الـ mms ) .
قلوب الحب : يُخطئ الناس حين يظنون أن قلوب الحب مصنوعة على هيئة قلب الإنسان، إذ أن أصل قلب الحب يرجع إلى شكل الطير "كيوبيد" ذي الجناحين، و هو ملاك الحب في الميثيولوجيا الغربية القديمة، والذي يشبه إلى حد بعيدٍ ما نسمِّيه اليوم بـ "قلب الحب" .
و للحلبيين أن يحتفلوا أيضاً ..
في الأيام العشرة الأولى، من شباط في كل عام، يبدأ اللون الأحمر بالتكاثر في شوارع حلب، إلى أن يسيطر هذا اللون على أغلب الشوارع، في الليالي التي تسبق 14 شباط، فترى المحال والمطاعم والفنادق والإعلانات، تتقاسم الاحتفال، والدعوة للاحتفال، بهذا اليوم .
و من المعروف في حلب، أن مناطق "العزيزية، السليمانية، الميدان.." من أكثر الأماكن جذباً للناس في يوم عيد الحب. فتكثر الحفلات الفنية هناك والمحال التي تبيع هدايا العيد، والقلوب، والبطاقات، والأقمشة والبالونات الحمراء التي تُعلق على "الشبابيك والبلاكين"، كما يكثر تواجد العشاق في شوارع هذه المناطق، ولا مشكلة في أن يتبادل عاشقان قبلةً سريعة، أو عناقاً خاطفاً .
"مايا زرز" فتاة في العشرينات من عمرها، تسكن في العزيزية، ودائماً ما تحب قضاء يوم عيد الحب مع أصدقائها , وقالت لـ عكس السير " المشكلة في الناس أنهم يرون تحديد يوم يخص العشاق أمراً خاطئاً، و يتذرعون بالقول إن كل أيام السنة لل حب، وليس يوماً واحداً فقط. أنا أجزم وأقسم أن هؤلاء الناس لم يذوقوا طعم الحب حتى يتكلموا بهذا الشكل " .
و تشير "مايا" إلى أن تقاليدهم في هذا اليوم تقضي بشراء قالب كاتو، وتوزيع اللون الأحمر داخل وخارج البيت، أو وضع "نيونات مضيئة" تحمل عبارات ذات دلالة، مثل " happy valentine "، و تبادل الحلوى مع الجيران إن أمكن ذلك .
أما "لافا مسلم"، فإنها ترى يوم عيد الحب يوماً مقدَّساً. تقضيه مع خطيبها في إحدى المقاهي أو المطاعم ( مع العلم أن هذه المطاعم تُحيجك إلى حجز طاولة قبل أكثر من عشرة أيام من حلول عيد الحب ) .
و أما "منير سودا" قال إنه لا أساس للاحتفال بعيد الحب و إنما هي مجرد روايات حاكتها الأساطير الغربيّة منذ القِدم، كما حاكت جلجامش و الأوديسة و طروادة وروميو وجولييت وغيرها ".
محال الهديا والورود .. تحتفل بالعيد على طريقتها "القاصّة" !
على إحدى الزوايا الأربع التي تحيط بـ "دوّار التليفون الهوائي"، يتمركز عددٌ من محال بيع الزهور _ كما يعرف أكثر الحلبيين _، وهذه المحال تبيع في يوم عيد الحب ما قد تبيعه في شهر كامل، أو حتى في موسم !
و رغبة منا، بمعرفة أسعار الزهرة الواحدة، وقدرة "العاشق" على شرائها، سألنا عن سعر زهرة حمراء، طويلة، جميلة المظهر؛ فقيل لنا إن سعرَها 275 ل.س، ومع لفّها بسولوفان، يصبح 300. مع العلم أنّ هذه الزهرة ليست طبيعية، وتُربى في أحواض اصطناعية، كما تُمنح اللونَ الأحمر و الملمس المخملي عن طريق مواد خاصة، بالإضافة إلى أنها بدون عطر (!)، يقوم البائع بوضع عطرٍ لها ( هناك زجاجات عطر رجالي ونسائي، في المحال، يتم بخ القليل منها في وريقات الأزهار، لتبدو طبيعية، للعاشق الذي سيشتريها مسرعاً، غير منتبه إلى أنها مغشوشة ) .
و سألنا محلاً آخراً، عن سعر الزهرة في باقي أيام السنة، فأجاب أن "الجوريّة" سعرها واحد ومعروف، وهو 75 ليرة، في يوم غير 14 شباط، بينما يختلف الوضع بالنسبة للأزهار الأخرى ( التي لا يمكن مقارنة نسبة طلبها، بالجوري الأحمر، المطلوب كثيراً ) .
و اتجهنا إلى السليمانية، حيث هناك أيضاً، تجمّع لمحال النوفوتيه، التي تبيع هدايا وبطاقات المعايدة والقلوب الخاصة بعيد الحب، وبالفعل، كان الازدحام شديداً، والاقبال غير معتاد.
أحد الشبان كان يبحث، في "ستاند" وُضعت فيه بطاقات معايدة بأسماء فتيات مختلفة؛ بطاقات حمراء مطبوعة عليها " happy valentine "، بالإضافة إلى مقطوعات غزلية، فيما يشبه الشعر. ربما كان الشاب يبحث عن بطاقة باسم حبيبته.
سألنا صاحب المحل، عن أكثر الهدايا مبيعاً، فأجاب أن "الدباديب" و العطور، تأتي في المقدمة. وشرحَ، ضاحكاً، حول أن "الدباديب" مرغوبة من قبل الفتيات الرومانسيات اللواتي يُردن إهداء الحبيب شيئاً ما، في هذا العيد.
و أضاف أن الكثير من الفتيات، يُرفقن "CD" أغانٍ رومانسية ( سلو )، ملفوفة في سلوفان، أو موضوعةً علبة كرتوينة، مع الهدية الأصلية .
أما عن أسعار الهدايا المرتفعة، فقال " في هذا اليوم تحديداً، نحرص على استيراد أفضل الهدايا، والماركات، التي تأتينا من الخارج بسعر مرتفع، ونحن نبيعها على هذا الأساس. أغلب زبائننا من المسيحيين الميسورين، أما الذين ينوون شراء هدية مقبولة السعر، فإنهم لا يأتون إلى هنا.." في إشارة منه إلى ما يُباع على "البسطات" والأرصفة، من هدايا و "دباديب" بأسعار رخيصة .
مسبحة ، ويد تسبّح الله !
و بالرغم من كل هذا الاختلاف بالآراء، إلا أن الشارع الحلبي يحملها في كيس التماهي والاندماج الطبقي، و التفاعل الواحد من قبل كافة الشرائح. فكما يقاسمُ المسيحيون المسلمين فرحتهم في رمضان وأعياد الفطر والأضحى، يفعل المسلمون الأمر ذاته في أعياد الميلاد. و عيد الحب لا يقل أهمية (من حيث الحراك الاجتماعي، والصرف المادي، والمعنوي) عن تلك الأعياد، وبالتالي؛ فإن من حق العشاق أن يصبغوا شوارع المدينة باللون الأحمر، و أن تزدحم الطرقات من أجلهم، خاصةً حينما تصبحُ نبضاتُ قلوبهم أشبه بحبّات مسبحة، والحبّ هو هذه اليد التي تسبح الله .